
الأشخاص المُبتَلُون بلعب الألعاب الإلكترونية بشكل مرضيٍّ عادة ما يبتعدون عن الحياة الاجتماعية.
أعلنت منظمة الصحة العالمية في شهر يونيو لعام ٢٠١٨م عن النسخة الحادية عشرة من التصنيف العالميّ للأمراض (ICD-11). وللمرة الأولى سيُصنَّف اضطراب الألعاب كحالة لها علاقة بالصحة العقلية التي تتَّسم بتدهورات جسدية، واجتماعية، ونفسية نتيجة للعب ألعاب الفيديو بإفراط.
كمعظم الأشياء، يمكن للألعاب ألّا تكون مُضرَّة مع الاعتدال في الاستخدام، ولكنَّ بعض اللاعبين يُفرطون في اللعب.
يوناه باد هو المدير والمؤسس المشارك، وكبير مسؤولي العلاج لمؤسَّسة The Farm-مركز خاص لإعادة التأهيل في ستوفيل وأونتاريو، لديه من الخبرة في التعامل مع الشباب الذين يُصارعون مع السلوك والإدمان المُرتبط بالمخدرات ما يزيد عن الثلاثة عقود. وفقًا لباد، فإن أولئك الذين يَعتبرهم مدمنين على الألعاب كثيراً ما يلعبون حتى يهربوا من بعض أشكال الضغط الموجود في حياتهم، ولا يبحثون عن المساعدة إلا بعد أن يخسروا علاقة، أو مسكناً، أو عملاً أو يخسروا ثلاثتهم. في مقابلة له مع Trauma and Mental Health Report، أوضح يوناه أن برنامج علاج اضطراب الألعاب يستخدم خطوات مشابهة لبرنامج علاج تعاطي مخدرات قياسيّ، وأول خطوات هذا البرنامج لكلِّ عميل جديد هي إزالة السموم بشكل كامل؛ حيث تبدأ عملية إزالة السموم بمركز The Farm بالبقاء على الأقل لمدة ثلاثين يوماً بدون إمكانية وصول للإنترنت؛ للتقليل من السلوكيات المختلّة. ويتم إعطاء كبار السن من العملاء هاتفاً من نوع الشاشة القابلة للطيِّ بدون إنترنت، بينما يُزوَّد العملاء الأصغر سنًّا بكتُب تلوين أو بالمكعبات. كذلك التواجد في الأماكن الطبيعية خارج الأبواب يُوفِّر تجربة الحياة البرية في رحلة التعافي، ويُقلِّل من المُشتِّتات الناجمة عن الأجهزة الذكية.
الانخراط الاجتماعي هدفٌ مهم فيما يتعلَّق بإعادة التأهيل، غالباً ما يمرُّ الأشخاص المُصابون بسلوك اللعب المضطرب بانسحابٍ شديد من الأنشطة الاجتماعية مع الأصدقاء والعائلة. وفقاً ليوناه فإنَّ العديد من المُراهقين يُمكن أن ينعزلوا للعب الألعاب لمدَّة تتراوح من ثماني إلى عشر ساعات في اليوم، بل أحياناً لطوال الليل. وقد يكون الانسحاب من روتين ما أمرًا صعباً على نحو استثنائي عندما يتعلَّق الأمر باللعب على الإنترنت مع الأصدقاء.
يعتقد يوناه أنَّ انتشار المجتمعات الشبكية قد سهَّل فقط الانحدار في فِعل عادات خطرة، ولكنَّ التفاعلات الاجتماعية وجهاً لوجه قد تكون ذات نفع في علاج اضطرابٍ من اضطرابات الألعاب.
في السطور الآتية يصف لنا يوناه كيف ساعد الاندماج مع المجتمع أحد عملائه: «أعرف شابًّا في العشرينات من عمره في الوقت الحالي. كان في معظم سنوات مراهقته مُدمناً على الألعاب، أمَّا الآن -كبالغ- فهو لا يستطيع أن يمضي كل وقته جالساً أمام شاشة الحاسوب؛ والسبب أنك عندما تكون في العشرينات من عمرك فإنك لا تفعل ذلك أبداً إذا أردت أن تكون اجتماعيًّا، وأثناء العمل معه فكَّرت في نفسي: «حسنٌ، لِمَ لا نُجرِّب بعض ألعاب الطاولة». والآن هو يخرج من بيته من ليلتين لثلاث ليال في الأسبوع؛ ليلعب ألعاب الطاولة. لا يزال الأمر مُتعلقاً ب”الألعاب”، ولكنها ألعاب اجتماعية.»
يمكن أن يلعب الآباء ومُقدمو الرعاية دوراً رئيسيًّا في المساعدة على إيجاد بدائل للألعاب تحثُّ على أسلوب حياة أكثر صحة. قد يُشكِّل لعب ألعاب الفيديو مع الابن أو البنت خطوةً أولى كبيرة نحو فهم أفضل لسلوكهم، ولخلق انسجام بين الابن والأب. فكما يُوضِّح يوناه: «العلاقة والألفة هي محور الأمر، وعلى الآباء أن يتوجَّهوا إلى الأطفال؛ فالأب يحتاج ليجلس مع ابنه ويلعب معه، وإذا كان الطفل يحبُّ ألعاب السباق، فجرِّب إشراكه في شيء أكثر اجتماعية كسباق السيارات».
حتى نحول دون حدوث الانتكاسة، فهناك خطوة أخيرة مهمة علينا القيام بها، وهي إعادة اندماج الطفل مرة أخرى في بيئة المنزل ووحدة الأسرة، هناك برنامج علاجيّ -وهو برنامج Venture Academy- يضع المراهقين المضطربين من مختلف أنحاء كندا في بيئات مضيفة أخرى ( العيش مع أسرة صغيرة). وفي نهاية الأسبوع يحصل كل مراهق من مراهقيهم على فرصة ليمارس مهارات حلِّ المشكلات، ومسؤوليات يومية في مجموعات عائلية قليلة العدد، فتعويد العُملاء على وضع أكثر أُسرية قبل إرسالهم إلى منازلهم أمرٌ مقصود؛ حتى يكون من الأسهل عليهم التحوُّل من برنامج العلاج إلى روتين طبيعيّ. يقول كريس مادسِن -وهو واحد من المستشارين في Venture Academy: «البيئة التي تُعُلِّم فيها التغيير هي أفضل مكان للحفاظ عليه، لقد عملتُ في برامج توفر تجربة الحياة البرية، وهناك الكثير من الأشياء الإيجابية بخصوص هذا الأمر، ولذا عليك ألا تشعر والعار إزاء هذا الأمر، ولكن الكثير منهم يُدركون أنَّه بمجرد أن “يستيقظ” الطفل، فإن المراهقين ينتكسون في المنزل؛ لأنَّ الآباء لن يكونوا قادرين على مُحاكاة تجربة البرية».
وكما تتطوَّر المشكلات والتقنيات، فسيكون على العلاج أن يتطوَّر معها، وما نتعلَّمه خلال العقود القادمة سيُحدِّد أيَّ الطرق ستُساعدنا أكثر.
ترجمة: يوسف عز العرب
مراجعة: محمد حسونة