
بقلم الأستاذ / أحمد صلاح
عضو فريق واعي
لقد طالعت كما طالع غيري من المهتمين بهذا المجال، هذه الصرخة التي أطلقها الأستاذ الدكتور عمر الجراح – رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية- والتي يدعو فيها المسؤولين إلى حجب المواقع الإباحية، بسبب زيادة الدخول عليها بعد تطبيق حظر التجوال!
ولن أتعرض للموضوع من ناحية وعظية، تركز على خطورة استقبال بلاء الله بفعل المعاصي، بدلا من التذلل بين يديه، وإقبال العصاة عليه، وإناخة مطايانا ببابه، والوقوف على أعتابه: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ولكن دعونا نستثمر هذا الحدث في بيان أهم أسباب إدمان الإباحية، ونضع خطة للشباب ينفذونها ويستفيدون منها في الخروج من هذا المستنقع الآسن.
أهم أسباب الوقوع في الإباحية:
يتعامل الكثيرون مع مدمني الإباحية بأنهم عصاة -فقط- وهذا أمر لا ينكره أحد، ولكن لو أضيف إلى ذلك أنهم واقعون في شراك الإدمان، ويسيطر عليهم السلوك القهري، فستكون نظرتهم لهم مختلفة، ويبذلون قصارى جهدهم لإخراجهم من هذا السجن الذي دمر حياتهم بشهادتهم هم أنفسهم لا شهادة غيرهم.
يقول الدكتور محمد عبدالجواد –مؤسس فريق واعي-: “الإباحية مثل المخدرات. إنها تستطيع أن (تعيد وصل المسارات العصبية) داخل دماغنا، وتبدّل من وجهة نظرنا عن الجنس، وتجرّد البشر من قيمتهم، وتزيد الطلب على الاتّجار بالجنس، وتعيد تشكيل المجتمع بشكل كامل).
فما أهم الأسباب التي تدفع الكثيرين للوقوع في شراك هذا الإدمان؟
1- الوحدة:
فالوحدة إحدى أكبر محفزات الإدمان، حيث يعتاد المدمن الانعزالية والوحدة بعيدا عن الأعين، ويشعر بخزي يطارده إذا كشف أحد الناس سره، فهو لا يستطيع أن يبوح أمام أحد بهذا السر، لأنه سيضعه في خانة الإنسان الخائن لزوجه، أو الذي لا يملك زمام أموره وحياته، وهذا أمر قد يسبب له مشكلات أسرية ووظيفية هو في غنى عنها.
وهذه الأيام اتسمت بوحدة مسيطرة على جميع العالم، وعُزلت الناس عن بعضها، ولذا فهذا مرتع يمكّن الإدمان من الترعرع والانتشار بشكل زائد عن الحد.
2- الفراغ:
فإذا أضفنا إلى العزلة والوحدة فراغ الناس من أعمالهم، وتوقف حركة الحياة، أيقنّا أن المدمن قد أحيط بالخطر الفادح، وقديما قيل: “نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل”.
3- الضغط النفسي:
والضغط النفسي أحد أهم عوامل الهروب إلى الإباحية، فهو أحد الحيل الدفاعية للتهرب من واقع الحياة وآلامها، ومع انتشار الأخبار المؤلمة، وتصعيد وتيرة الإعلام، وانتشار حالة الهلع والفزع، يجد المدمن سلوته في الاعتكاف على الإباحية، ليخرج بها من الضغوط النفسية التي تكتنفه من كل جانب.
4- الملل:
من أكثر المحفزات للإدمان الشعور بالملل، حيث يلجأ الإنسان لدفع الملل عنه عبر الهروب ناحية الإباحية، التي يشعر معها بمتعة زائفة، تقضي على هذا الملل المسيطر عليه، ليعود بعدها بخفي حنين وقد طارده خزي الإدمان وعاره.
5- العلاقات المحرمة والاختلاط:
وقد يندهش البعض من هذا السبب الذي لا يكاد يظهر له معالم في ظل العزلة المضروبة الآن على العالم، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن الهاتف الآن يفتح للإنسان عالما افتراضيا، يمارس فيه علاقاته، ومع وجود هذا الفراغ والملل فإن الطريق نحو المكالمات المسلية، والصور الممتعة هو السبيل للخروج من هذا الضيق.
وبناء على هذه الأسباب الخمسة التي هي من صميم عملية الإدمان السلوكي، أضع ملامح هذه الخطة ليتكاتف الجميع من والدين ومربين ومعلمين، بالإضافة إلى أصحاب الموضوع من المدمنين أنفسهم –وهم الأصل- في تطبيق جوانبها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا:
1- بناء جسور الثقة بين الوالدين وأبنائهم، واستثمار هذه الفرصة للاقتراب منهم واستماع شكواهم، والتعرف إلى رؤاهم وأفكارهم، تعرف الصاحب والصديق والمحب، لا تعارف الناصح الموجه المتسلط صاحب الأمر والنهي.
2- ملء وقت الفراغ بالنافع المفيد من القراءة وممارسة الرياضة وعقد المسابقات الدينية والثقافية والترفيهية والفنية.
3- لقاء يومي للأسرة في حوار مفتوح حول قضية تخص البيت أو قضية عامة وتشجيع الأبناء على الحديث.
4- تجهيز مكان للصلاة في البيت، تؤدى فيه الصلوات الخمس، والاجتماع أحيانا على قيام الليل، وحبذا لو تقدم للإمامة أحد الأبناء، أو بينهم بالتناوب مادام الابن مميزا.
5- وضع المدمن خطة وأهداف يسعى لتحقيقها، مثل تعلم بعض المهارات اليدوية، أو تعلم بعض برامج التقنية.
6- اجتماع الأسرة لمشاهدة بعض البرامج الهادفة أو بعض الأفلام والمسلسلات النافعة، ولا بأس من مشاهدات مواقف كوميدية مضحكة لا تخدش الحياء.
7- حرص المدمن على كتابة يومياته، فمنها ينمي موهبة الكتابة لديه واستثمار الوقت، ومنها يعرف مقدمات الإثارة، ويتعرف شخصه من خلال الكتابة أثناء بُعده عن الإباحية وأثناء وقوعه فيه، وتتضح له حقيقة ما تفعله الإباحية في نفسيته.
8- تغيير البيئة، وأقصد بها هنا عمل تغيير شكلي للغرفة الخاصة، بحيث يفك الرابط الشرطي بين مكونات الغرفة والإدمان، مع الحرص على وضع الكمبيوتر في واجهة الباب وليس في زاوية منعزلة.
9- التقليل من الأكلات الحارة والسكريات، والحرص على تناول الفواكه الطازجة.
10- متابعة دورات التعافي على موقع واعي، والتواصل معهم بشكل جدي لكسر دائرة الإدمان.
هذه بعض ملامح خطة التعافي، التي يجب أن يسلكها كل مدمن إزاء ما نحن فيه من بلاء، مع كثرة الدعاء واللجوء إلى الله، والاستعانة به وعدم التهاون في معصيته، وأن نضع أمام أعيننا قوله تعالى:
“فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا، وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ” الأنعام 43
جعلنا الله وإياكم من أهل طاعته، ووقانا برحمته وفضله شر معصيته.