
كتبت جونا مورهيد في الجارديان البريطانية مقالا في 10 سبتمر 2016 تقول فيه :
عندما أخبرَ صديقي المعالجُ النفسيُّ أليسونَ أنَّه شبه متأكدٍ أن ابنها البالغَ من العمرِ ثلاثةَ عشرَ ربيعاً يشاهدُ الأفلامَ الإباحيةَ ، كانت ردةُ فعلها غاضبةً.
تقول أليسون : ” لقد شعرتُ بالاستياءِ الشديدِ ، ما الذي يدفع ابني أن يفعلَ مثل هذا؟!
هذا عمل منحرف ولكني أعلم أن ابني ليس كذلك”.
ما تعلمتْهُ أليسون من هذا الموقفِ هو أنه من الطبيعيِّ للأولاد في مثل هذا السن أن تكون لديهم الرغبةُ في النظر إلى الصور المثيرة .
في الحقيقة ، أثبتت دراسةٌ أجريت في بريطانيا أن متوسطَ العمرِ الذي يشاهدُ فيه الأطفالُ الإباحيةَ لأول مرةٍ هو 11 سنة.أما بالنسبة للأولاد في عمر أكبرَ قليلاً ، فبعدَ عملِ استبيانٍ لمشاهدةِ الإباحيةِ على 3000 طفلٍ بين عمر 13-18 سنة ، 81% منهم قال إنه شاهدَ الإباحيةَ و لو لمرةٍ واحدةٍ.
أليسون هافي و دينا بوتشيو ألَّفَتَا كتابًا لإيجادِ حلولٍ لمثل هذه المشاكلِ التي يواجهُهَا الآباءُ مع أبنائهم من هذا الجيل الرقمي ، يخلُص الكتاب الى استنتاجين مهمين :
الأول : أن الحوار مع الأبناء حول السلوك الجنسي يجب أن يحدثَ على عُمرٍ أصغرَ بكثيرٍ مما هو عليه الآنَ ، و يجب أن يكون الحوار في البداية على نطاق العائلة .
الثاني: هو أننا بحاجة ماسة إلى الحوار أكثر من أي وقتٍ مضى ، في ظل هذا النموِّ الهائلِ والمتزايدِ للإباحيةِ على شبكة الإنترنت و المتاحة للأولاد على هواتفهم النقالة.
تقول أليسون و ديانا في كتابهما : “هناك خطرٌ كبيرٌ على هذا الجيل، فالإباحيةُ قادرةٌ على تغيير الحساسية الجنسية للأولاد و تدمير علاقاتهم المستقبلية ” .
أما بالنسبة للفتيات و اللواتي لديهن اهتمامٌ أقلُّ بالإباحيةِ في هذا الوقت ، فهن بخطرٍ أيضًا ، و ذلك يرجع إلى خطورةِ أن يخلط شريكهم المستقبلي بين ما يحدث من خيالات في الأفلام الإباحية و بين ما تحتويه العلاقة الجنسية الطبيعية.
الإباحية لها أثارٌ كبيرةٌ على المدى البعيدِ ، و هذا ما لا يعرف الآباء عنه الكثير .
و لكن إذا قمتَ بعملِ بحثٍ على الشبكة عن الإباحية التي يشاهدها الأولاد هذه الأيام ، ستجد أنها بعيدةً كلَّ البعدِ عن الإباحية التي يعرفها أبناء السبعينيات و الثمانينيات .
نحن لا نتحدثُ حتى عن المشاهدِ الصارخةِ ، و لكن نجد أن هناك فيديوهات و مشاهدَ تركز على إرضاءِ الذكور فقط ، و أيضاً فإن الأغلبيةَ العظمى من الممثلات الإباحيات قد خضعْنَ لعملياتٍ تجميليةٍ للثدي و تغييرات أخرى في أجسادهن .
و بهذا يمكن للإباحية ترويضُ عقول الأولاد على توقع أشياءَ غيرَ موجودةٍ أصلاً في زوجاتهم و شريكاتهم المستقبليات، مما قد يكون له عواقبُ وخيمةٌ في المستقبل.الأمر لا يقتصر فقط على المشاهد بل أيضًا على المصطلحاتِ التي تُستَعْمَلُ في وصف هذه المشاهد مما يشعرك أنك تتعامل مع سلعٍ في متجرٍ وليس مع بشرٍ من لحمٍ و دم .
على حسب ما تقوله الدراسة التي أجريت في معهد بحوث السياسات العامة في بريطانيا سنة 2014 ، فإن 77% من النساء يعتقدن أن الإباحية تجبر النساء على الظهور بمظهرٍ معينٍ ، و قال 75% إن الإباحيةَ أجبرتْهُنَّ على أن يتصرفوا تصرفاتٍ معينةً لإرضاء شركائهن.
الجماعُ من الدُبر هو أحد هذه المماراسات التي تُعرَض على أنها طبيعيةٌ . تقول أليسون ، وهي أمٌّ لولدٍ و بنتٍ: “الحقيقة هي أن مثل هذه التصرفات لا يجب أن تعرض للأطفال على أنها شيءٌ طبيعيٌ البتة”.
بالنظر في الكتاب ، نرى أن أليسون ودينا يستنتجان أن الكلامَ عن أسلوب الحياة الذي يدور حول الجنسِ والكحولِ والموسيقى الصاخبةِ لم يعد يقتصرُ على الشباب في المرحلة الجامعية ، بل أصبح شيئًا يتداوله الصغار بأعمار 12 و 13 سنة.
أيضاً في الأفلام الإباحية نرى أن الأفكار العنصريةَ و المثليةَ و الأفكارَ التي تدعو الى كره الجنسِ الآخرِ منتشرةً بكثرةٍ .
في الكتاب ، وضعت أليسون ودينا قائمةً بالكلماتِ العنصريةِ والبذيئةِ التي يقولها الأولادُ و تسمعها البنات كلَّ يوم في الشارع . ((تم حذف الكلمات لان معانيها غير مناسبة))
والآنَ ، ما هي الرسالةُ التي يجب أن يوصلَها الآباءُ الى أبنائهم ، و ما هي أفضل وسيلةٍ لذلك ؟
قامت أليسون و دينا بعمل ورشات لطلاب المدارس كجزءٍ من مشروعهن والذي عنوانه “الحمايةُ و نشرُ الوعي” والذي يهدف الى نشر الوعي بخصوص الإباحية و أثرها على الحياة و الحماية من آثارها، حيث قاموا بسؤال مجموعةٍ من الطلبةِ فيما إذا قامَ أهلُهُم بمناقشة موضوع الإباحية معهم ، و أغلبُ الإجابات كانت : لا.
و بهذا تكوَّنَت لدى أليسون قناعةٌ تامةٌ أنَّ الحوارَ المفتوحَ بين الأهل و الأبناء حول هذا الموضوع في بداية فترة المراهقة و من سن 10 سنوات هو شيء أساسيٌّ و لا يمكن التخلي عنه.
تقول أليسون : ” إن أهمَّ ما يجب أن يعلمه أبناؤنا هو أن ما يشاهدونه في عالم الإباحية هو أبعد ما يكون عن ما يحدث في العلاقات الحقيقية ، و أنها تفتقر لكل المعاني المهمة في تلك العلاقة من حُبٍّ و عطفٍ و مودةٍ”.
عندما يتشجع الآباء لبدء الحوار مع أبنائهم ، فلا شكَّ أن كلامهم سيكون له أثرٌ كبيرٌ .
المقتطفات التي أدرجَتْها أليسون في الكتابِ من كلامِ الأولادِ الذين ناقش معهم آباؤهم موضوعَ الإباحية توضح أن الكلام عالقٌ في أذهانهم.
يقول أحد الأولاد وعمره 11سنة : “أبي أخبرني أن المرآة يجب أن لا تُعامَلَ بعنفٍ كما في الأفلامِ الإباحيةِ لأنَّ ذلك يؤذيها”
و يقول آخر : ” أبي أخبرني أن الرجل الحقيقي هو الذي لا يشاهد الإباحيةَ ، فالرجالُ الحقيقيون لديهم ثقةٌ بشريكات حياتهم و يعتنون بهنَّ جيداً”.
تقول أليسون :الحقيقة هي أن جميع الآباءِ يرغبون بحماية أبنائهم و ضحايا الأفلامِ الإباحيةِ معظمهم من الأولادِ في سنِّ المراهقة و كذلك الفتياتِ ، فكلا الجنسين لديهم قابليةٌ و ميلٌ نحو مشاهدةِ الأفلام الإباحية عندما يكونون وحدَهم.
الأخبار الجيدة هو أنه عند سؤال الأولاد : ” هل ترغبُ في أن تعيشَ حياةً جنسيةً خاصةً مليئةً بالحبِّ والمعاني الحقيقيةِ ؟ فجميع الإجابات كانت إيجابيةً.
إذا فالمكونات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف هو الابتعادُ عن الإباحيةِ وأسلوبِ الحياةِ الطائشِ و الاهتمامِ ببناءِ علاقةٍ حقيقيةٍ.
تقول أليسون : ” إنَّ النصيحةَ التي نوجِّهُهَا لبناءِ علاقةٍ حقيقيةٍ و حياةٍ جنسيةٍ صحيةٍ هو اتباع أسلوبِ الأجيال السابقة ، فكل ما تحتاجه هو إيجاد فتاةٍ لديها اهتماماتٌ قريبةٌ من اهتماماتك و أن يكون لديكما عواملُ مشتركةٌ ، و بعدها يجب أن تفكر في ثلاثة أمور رئيسية هي : الزواج ، والرومنسية و الخصوصية.
هناك مشكلةٌ كبيرةٌ تواجهُ الآباءَ والمربِّين و هي الثقافةُ الصبيانيةُ التي بين الأولاد و التي تحتوي الكثيرَ من النكتِ والفكاهاتِ التي يتبادلُها الأولادُ حول الجنسِ والاغتصاب ، و صعوبةٌ أنْ يواجِهَ الفتى مَنْ حولَهُ من أصدقاءِ السوءِ بأنَّ هذه أمورٌ خاطئةٌ ، و أيضًا جعلهم يفهمون الآثار السلبية التي يتركها هذا السلوك على تصرفاتهم و طريقة تفكيرهم.
تقول أليسون : “نحن بحاجةٍ أن نُعلِّمَ الأولادَ أن بقائك صامتًا عندما يقول أحدُ أصدقائك مثل هذه النكات هو إقرارٌ لما يقول و تشجيعٌ له على سلوكه الخاطئ”.
إنَّ من يلعبْ ألعابَ الفيديو الجنسية و يسمعْ للموسيقى الهابطة و يشاهد الأفلامَ الإباحيَّةَ والعنفَ فهو يدعمُ أسلوبَ الحياة الإباحيةِ القائمِ على كره النساء. على الآباء أن يقوموا بدورهم فالخطرُ يحدق بالأبناءِ وهم الوحيدون القادرون على حمايتهم منه.